عندما تسمع نصير شمة تنتظرك مفاجأتان : الشاب النحيل الهامس ينقلب الى "حالة موسيقية " عنيفة وآلة العود التي تعرفها تتعدد لتصير اوركسترا، فى حفلته فى معهد العالم العربي فى باريس ، فى 15 ديسمبر 94 اراد العازف العراقي ان يقدم لجمهوره العربي والفرنسي بطاقة تعارف فيها امكاناته الفنية ومخبوءات عوده المثمن : عود الفارابى بثمانية اوتار.
نصير شمة (32سنة ) ينتمى الى المدرسة العراقية فى العزف والتي تتميز بالتركيز على التقنية وتضمين الموسيقى افكارا يتم طرحها من خلال مؤلفات توضع خصيما لآلة العود، ويبرز فيها التمازج بين الصوت والكلمة والصورة كما يقول الاستاذ محمود قطاط مدير المعهد العالي للموسيقى فى تونس ، والذي يعمل فيه العازف العراقي الشاب محاولا اعطاء افضل ما عنده لطلابه كي يحصل على افضل ما عندهم ، فى تدريب مكثف لا يعرف الراحة على عوده المثمن دائما.
عن اداء شمة يرسم لنا الباحث المختص قطاط صورة كاملة في نصه المرافق للاسطوانة التي يصدرها المعهد عن الحفلة انه فنان يتميز بجنوحه الى التجديد فى طرح الافكار الجريئة من خلال آلة العود.. متخذا من نظريات العلماء والمفكرين العرب منطلقا لإبداعاته الراقية .
هذا الفنان اسس جسرا يوصله بالناس عبر قدرته على الارتجال والشفافية فى الاداء مدعومة بالسيطرة الواضحة على تقنيات الآلة والتفاعل معها بعمق ، وهو بذلك يرفد قدراته المتميزة على التأليف … محافظا على التوازن بين ما هو كلاسيكي وما هو جديد.
بعد باريس سيكون شمة فى هولندا ثم فى المانيا، ومن بعدها فى الولايات المتحدة الامريكية بانتظار الاسطوانة كان معه هذا اللقاء.
* حاولت عبر برنامجي في معهد العالم العربي ان اقدم للحاضرين من عرب واجانب وجها مشرقا من تاريخ حضارتنا يعود الى 7 آلاف عام ، ظهر العود في بلاد ما بين النهرين كما هو معروف فى 2350 قبل الميلاد وقد اعتمد منذ ظهوره التخت الموسيقى الموجود فى هذه المنطقة من العالم وما جاورها ولذلك نرى تأثيراته فى الآلات الموسيقية المشابهة التي وجدت بعده فيها مثل البزق والجيتار والعود الاوروبي، وتعتبر كلها أولادا للعود حاولت اذن ان اقدم من خلال عزفي على آلة العود نغمات هذه دلالات الموسيقية الاخرى، هذا بحث يحتاج طبعا، الى تقنية عالية وسماع متواصل وبحث نظري متين ، اعرف ان هناك من هم على درجة عالية من الاختصاص فى الموسيقى بين الحاضرين ولذلك علي ان اكون مستعدا لتقديم اي تفسير نظري مقنع حول ما اقدمه عمليا كل ما قدمت لدى ما يدعمه نظريا وعمليا.
عزفت اذن رحلة العود من العراق الى الاندلس واوروبا، وكان بين يدي جيتار او عود اوروبي او بزق بأنواعه اليوناني او الشامي او العربي، كانت صورة شاملة متعددة الاوجه لامكانيات هذه الألة الموسيقية الرائعة .
** ما هي القاعدة النظرية التي تعتمدها فى عملك ؟
* اعتمد قبل كل شىء، المخطوطات التي يعود تاريخها الى اكثر من الف عام والمحفوظة فى المتاحف والمكتبات ، ثم النقوش الصينية الموجودة فى المتاحف العراقية ، وثالثا المنحوتات الصخرية والمرمرية الموجودة فى العراق وفى بعض المتاحف الاوروبية بالاضافة طبعا الى بحوث العلماء المختصين بالموسيقى كالدكتور صبحي انور رشيد تلا وهو عراقي ويدرس فى برلين الآن ، فى عالم الموسيقى نحن حلقات متصلة الباحث يكمل الموسيقى، وهذا يقدم الدليل العملي للباحث ، ثم يأتي الناقد الذي يعطى رأيه ، كل منا يعتمد في عمله على جهد الأخر ويواصله بطريقة مختلفة ، هذا التعاون ينعكس بوضوح على اعمالنا.
** اخترت العود من بين الآلات الموسيقية ؟
* منذ اللحظة التي دخل فيها المعلم الى الصف حاملا العود، وانا في الثالثة عشرة من عمري رغبت فى تعلم العزف عليه ، كانت رغبة عجيبة مفاجئة وقوية ، تركت هواياتي الاخرى كلها وبقيت مع هذه الآلة عشر ساعات يوميا، وقد اثر هذا على دراستي.. قبل العود كنت متفوقا بعده صرت … عاديا.. احسست ان امامي عالما بحاجة الى عمر كامل كي أمشى اليه واقدم شيئا يرضيني ويسعدني ويرضى الناس ويسعدهم .
** تستعمل العود ذد الاوتار الثمانية ، هل هناك عازفون أخر ون يستعملونه وكيف وصلت اليه ؟
* الفارابي إمام العلم كما كانوا يلقبونه ترك مخطوطات كثيرة ، في واحدة منها اخترع العود المثمن ، قرأت عن هذا وبحثت عن المخطوطة وحصلت على نسخة منها من مكتبة بايرلندا، تحققت من صحة نسبتها للفارابي واكتشفت أهمية هذه الاضافة وعمدت الى صنع عود تبعا لها مع صانع اعواد فلسطينى يعمل فى العراق اسمه عبدالرزاق الطوباسي واعتقد أنى اول من عزف على عود بثمانية اوتار وطبق عمليا ماكتبه الفا رابي نظريا، والوحيد ربما.
** ما الفرق بين العود التقليدي وعود الفارابي المثمن ؟
* يستطيع العازف المتمكن ان يخرج من العود، او كتافين اثنين، وتعرفين ان الاوكتاف مكون من 8 نوطات ، العود المثمن يعطينا الضعف : اربعة اوكتافات ، اي يعطينا المدى الصوتى نفسه لآلة القانون ، رغم سعة مساحة اوتارها، ويحتوى ايضا انواع الاصوات البشرية كلها من تينور وسوبرانو وباس والبارتيون وغيرها، العود المثمن ، بسبب هذا كله ، يعطى العازف حرية كبيرة فى الاداء والتلوين حيث يمكن له ان يقدم اي قطعة موسيقية بأربعة اشكال مختلفة، العازف في المتمكن يستطيع ان يصنع الاعاجيب بعود الفارابي، انه عود صعب جدا وقد سمعت ان هناك عازفا مصريا يستعمله ولكني لم استمع اليه حتى الآن، لذا لا استطيع الحكم .. على كل حال ، على من يريد ان يعزف على المثمن ان يكون عازفا قويا جدا على العود التقليدي كي يستطيع السيطرة على هذا العود المختلف والمعقد.
* احاول فى كل ما اعزفه ان يكون من تأليفي، واعتمد احيانا على بعض الموروث الموسيقى العراقي والعربي محاولا ان أضيفه بشكل جديد، لأطوره ولكنني احافظ على جوهره واضيف له احساس وتقنيتي.
هل تعلمين انني احس أنى لم افعل شيئا حتى الآن با لمقارنة مع "الكبار". الفارابي كان عالما فى علوم مختلفة الموسيقى واحد منها فقط ، مهما فعلنا نبقى صغارا بالمقارنة مع علماء وموسيقيين من هذا النوع .
** انت الآن استاذ فى المعهد العالي للموسيقى فى تونس ، ماذا تعلم طلابك وما هي خصوصية تدريسك لهم ؟
منذ عامين أدرس فى هذا ا لمعهد وتدريسي لطريقتي الخاصة فى العزف كان الشرط الاساسي لقبولي بهذا العمل ، اعمل طبعا مع الطلاب فى السنوات النهائية وقد تعلموا الموسيقى جدا، يدرسون معي كي يصيروا عازفين منفردين "سوليست " .
* موجود.. موجود لدى طالبة هي الآن مشروع عازفة منفردة مهمة ، وهناك طالب هو الآن على الطريق نفسه ، اعمل مع الطلاب فى دورة مكثفة يتمرن الواحد منهم معي على الاقل ثماني ساعات يوميا خلال ستة اشهر يحقق تطورا مذهلا.
** ماذا يعطيك التعليم ؟
* انه وقت للتمرين لي ايضا لا اترك عودي ابدا، عندما ادرس الطلاب اتمرن بنفسي على التقنيات ، العزف بحاجة الى تمرين دائم كما تعرفين ، لدى مشاريع للتدريس في مدن عربية كالرباط وبيروت ومسقط .
** تقول انك لاتترك عودك ابدا، ماذا يشاركه فى عالمك ؟
* هناك اهتماماتي الثقافية المختلفة : السينما والمسرح والرسم ، اتابع كل عمل مهم .
الادب ايضا والشعر والدراسات النفسية وغيرها وغيرها… هذا كله يغذى شخصيتي ومن ثم عودي ثم هناك الحب .
** تحب عودك ؟
* اكثر من حبيبتي التي تغار منه انه ابني.
** ما اجمل ما كتبت برأيك ؟
* مقطوعة "رحيل القمر" وكانت عن اختي التي توفيت وحاولت فيها ان اصور رقتها وحنانها وروحها الحلوة من خلال الموسيقى
** وأحلي مشروعاتك ؟
* مشروع تقدير "الف ليلة وليلة "فى اوبرا عربية لن لن اكتفى بكتابة موسيقاها، اريد ان
اخرجها ايضا.
سلوى النعيمي: كاتبة وصحفية بمجلة "ارابي – بباريس "