للقُرَى أن تُثَرْثِرَ
أشجانها.
وعلى صَمْتِها أن يبوح
رويداً
رويداً
أساها
إذا أزهر الليل ميقات أسحاره..
واستباح جنون الفراشات
عطر النسيم..
ودندن مجنون (ليلى)
جنون قصائده
مُسْرِجَاً للنَّدى
عند خيط الرؤى
نصف إيماءة..
للمرايا
وقصة عِشْقٍ
تناهت لعُشْبِ الرَّدى
ثمّ ذابَتْ كحلم تغلغل
خلف الصدى
في الفتى
مذ تصابى
على وقعِ خُطوة فاتنةٍ
أفلتت من فراديس “رضوان”..
رافلة باكتمال المعانيَ..
ما أن رآها الفتى بين سرب الغوانيَ.
حتى استبدت به من جنون
الخواطر لازمة الشّعْرِ..
خارت قواه امام افتتان القصائد.
لا نبأ من أثير الليالي..
يَخَبّره عن صداها
فيرهق كل المسافات
في حُزْنِه..
يستدير على ألفِ قارعة
باعترافاته
شاهراً حُبّها..
غير أن التي حضَرَتْ ذات صحوٍ
توارتْ إلى الحلم ثانية..
فاستوى فوق جمر الليالي أسيف الهدى..
والدروب
تفرُّ أمام عزائمه..
والخطى..
كيف لا..؟!
والدجى مُسْهِبٌ في المدى
حين قالت له: أدركتنا
خيول القبيلة
يا شَجَني وسيد قلبي..
فقال لها: “الحبّ أعمى”..
ونحن على دين أشواقنا
يا رفيقة حُزْنِي
نراهم بعين المجاز..
وهم لا يرون بعين بصائرهمْ
ولا يدركون بأبصارهم
سُكْرَ أعْشَاشِنَا..
وحنين خُطانا
ومحراث أحلامنا
إذ يشق الصحارى
ويرمى بِذار الوفاءِ
إلى أجلٍ لا يسمى..
حُبّنا..
حُلُمٌ لا يُرى..
مِثل غيمٍ سخيٍّ
يُنَاثِرُ زَخَّاتَهُ في الدجى للقرى..
كي تنام وتصحو
على عزفِ ذاكرةِ النّاي
تغسل أدرانها
من خطايا الورى..
حُبُّنا..
يستنير به العاشقون
ويحيا به الكادحون
ويعزف ألحانه الرافلون
بشُمِّ الذُّرى.
حبنا شبّ فينا
تلاحِين أُغْنِيَةٍ..
حُبُّنا..
دِيْنُنا الأزلي
عليه نموت ونحيا
ولسنا غواة
كما يُخْبِر الواهمون
شياطينهم، والهُواة..
ولكننا يا معذبتي
سفَرُ الهائمين إلى الله
في عالمٍ، يرجم الشعراء
بوعد الجحيم..
وما الشّعر إلَّا براءتنا
من خطايا الطغاة..
لأنّا دلفناً
إلى زمنٍ عالقٍ
في مشانق أحلامه..
كل ناصية
من شجون الرُّبى
لا ترى الغيم منتشياً
والضحى لم يعد عامرا
بأغاني الصبايا..
وما عاد ذاك الحنين..
جميلاً يغازل
أذهاننا
حين تدنو الظهيرة
شاهقةً في شِفَاهٍ
لنايٍ
تَذُوبُ لمعراج ألحانه
رقصة النُّوْب فَوْقَ زُهُور البَنَفْسَج..
يا حَزَنِي كيف صارت مراعيك يا وطني
مسرحاً لذئاب البراري،
فتبّت يد الحرب
كم حصدت من عصافير
أحلامنا..
واستباحت حقول
المنى..!
بأعاصير أوزارها
فالمنازل تُسْكِتُ ألحانها
تُرْهِفُ السّمَعَ
إذ جاءها عاجلٌ:
التقى الساسةُ الآن
حاموا كغربان طائشة
واستداروا إلى منتدىً
أفقه ألف
محرقة
واشتعال
وما لا نهاية يا صاحبي للردى
لا المنازلُ شَقّت
عُبَاب الدجى صوب ناحية
الفجر.
لا الحرب
واضعة ثقل أوزارها عند خاتمة الموت..
يمضي المذيع
وفي صوته حشرجات الثكالى
كأن الجميع بلا قوةٍ
ينفخون الأسى والمآسي.
يديرون أعينهم للفتى
غير أن الفتى
لا يعي ما يقولون
وما يسمعون
ففي هجسه ألف شبَّابة
من خُلُودِ المراعي
وإشراق فاتنة
أفلتت من أقاصي
جدائلها
شاهرة سيف حُسْنٍ
تَبَدَّى..
فأردى فؤاد الفتى..
في جفون الهواجس
في غمد ذاكرة الناي
إذ جاشَ منها
سفور الضحى
من شجون القرى
فاستعاد تفاصيل
سكرته..
لحظةً
لحظةً..
كيف أحنتْ عليه..!
وضمَّته
عند ابتهاج السفوح!
وأروته عند افتتان الربيع..
لقد كان مستقبلا
قِبْلَةَ الحُبّ
يشدو
وفي وجنتيه
وميض من النُّور
ينثالُ من عطرها
ألف معنى
ومن شوقه
ألف مغنى..
ومن حسنها
أثرٌ – قاني اللون في خدّه-
يستقي من نبيذ الورود دماً
وفي شفتيه تراتيل
أغْنِيَةٍ لا تَمُوتْ…
محمد محمد إبراهيم *