يا حادي النجم الضائع
يا سيد الورد في صحارى المبهم
ويا حادي الكلام المخبوء
المجلّل بالغياب المتلبّس بالحنين
انهض من رملك من جبروت العزلة واكشف
من فضح سرك أيها الواقف عند عتبات الشوق
تخبئ ارتعاشات الأنبياء الراحلين
إلى هزائم لم يُعلن عنها بعد
يا حادي النور المُعتّق مؤونة للسنين العجاف
زيتا وملحا وزعترا وزيتونا وصبارا وأرزا وتينا وماء زلالا
وما تيسر من الرزق الحلال في الزمن الحرام
وعمرا من الحنين العصي
أيها الراحل الضائع الضارب في القسوة
القاسي في الضياع فصّص جمَرات الروح
وما تبقى من زهر القلب
ابحث في علامات النار
عما تبقى من غصة الكبد
وصرخة النّكد
موجوعة أنا يا ابن أمي
من خوفي ومن رعشتي
أشرّع العمر جرعة جرعة
على حافات غبنك وتفاصيل المحرقة
هنا في أزمنة التيه على رفات الأنين
حيث تحترق بقايا التراتيل..
هل حقا بلاد الله واسعة سعة صبري..
لا أعلم إن كان أيوب قد
جهر بمثل هذا القول
خانك الأهل خانك الأحبة
خانك العمر خانك شبيهك الأول
ليسوا ضيوفك وهم يتسربون من ثقوب الباب
ليسوا أحبابك وذويك
لن يكتفوا بنار القرى بعدما سكنوا البيت
لا ولن تشبعهم طراوة لحم الغزلان
الآن والآن والآن يضعون في كفك المرتعشة
خشبة وسكينا ومسامير صدئة
نعرفهم ونعرفهم ونعرفهم
ثم نعرفهم منذ أن زلّت قدما الصحراء
وانكشف سر الغيب
لما رسموا خرائط للحلم
وتوغلوا في فجواتنا كالكواسر
لما جرّفوا منا الدم
لما حرّقوا الأكباد
لما حوّلوا دمعنا رمادا
وتبادلوا رسائل الحرب ورسائل الحب
على ما تبقى من أشلائنا
المُلقاة كيوسف في عُمق الجبّ
أتدري أيها المتربص بالليل
ربما لم يصلك الخبر بعد
أنّا نحرنا القمر لنرضيهم
نحرنا الشمس لنضيء ظلمتهم
نحرنا النجوم لإغوائهم
نحرنا قامات الجبال لهم
نحرنا التربة والحجارة
وما تبقى في البرية من نفس
وقلنا عسى
نحرنا الجمل الأخير
وهو يبكي عطش الروح
نحرنا الثور الأخير الأسد الأخير
وحتى النمر الأوحد في الغابة
نحرنا المهر الأخير
والجواد الهارب
من ظل الهزائم
نحرنا ما تبقى من كرامتنا
نحرنا فُتات الذاكرة على موائدهم
قلنا عسى وعسى
ولم تبق إلا مرايا الكتـــــــاب!
زينب الأعوج *