ترجمة: عبد اللطيف شهيد
كاتب ومترجم مغربي
الطيور ترى
إنه القوس
الذي يشتدّ
ويحتضن صورة:
امتلاء البحر. ضوء
من شفافية شرِهة. تحت الأرض
تتشابك القصّة:
مياه تلِدُ أماكِنها. أزيزُ أسماك
أصداء تترك غموضها، خصلات، آثارا
تطفو. انفجارات تزرع
دهشتها على الجدران، الزهرة، جلد
تكلُّساتها. الطيور ترى.
كيف تضيء الأدراج أمواجها الحريرية
أمام أسِرَّة تنبُت. الظِّل
يُخفي غلظته.
النسيم
النَّسيم يلمس بأطراف أصابعه
الجانب السُّفلي النّاعم للأوراق. تتألَّق
وتدور قليلا.
يُفزعها ويسمو بها
مع تنهُّد، مع آخر. يضعها في حالة تأهُّب.
مثل الأصابع الحسّاسة لرجل أعمى
تبحثُ بين الرّيح عن الأوراق؛
تبحث وتفكُّ شفرة حوافها،
نقوش تمَوُّجاتها، سُمكها.
تهزُّ
مفاتيحها الصّامتة السّائلة.
فراشة
مثل عُملة تدور
تحت خيط الشمس
تعبُرُ الفراشة المضاءة
زهرة الريحان.
حُجَّة
الهواء سميك بالنِّسبة لي
مثل الماء.
طيراني حقيقي
لأنَّ شعوري بالهواء
حقيقي، والقرب من الأرض
يجعله مُمكنًا.
أثر الزَّمن
بين الرّيح والظَّلام
بين المتعة المُتصاعدة
والسُّكون العميق،
بين تنزيه ثوبي الأبيض
والثَّغرة الليلية للمنجم،
عيون أبي النّاعمة التي تنتظر؛ فرحته
السّاطعة. أصعد للوصول إليه.
إنَّها أرض
النُّجوم الصغيرة، وفوقها،
على ألواح معدن البيريت تنزل الشَّمس. سُحبٌ عاليَّة
من الكوارتز وحجر الصَّوّان. في نظراته،
في ضوئه المُغلَّف،
حرارة العنبر.
يرفعني بين ذراعيه. يقترب
ظلُّنا يميل أمام الشاطئ. يُنزلُني.
يعطيني يده.
إنَّها بهجة هادئة
دِفء مُظلم،
كمال مُتوهِّج.
شيء ما في ذلك الهدوء يدثِّرُنا،
شيء يحمينا
ويرتفع،
بهدوء شديد
بينما نحن ننزل.
بشفافية سحيقة
أنت نار البداية.
أنت النّور
في اللحظة الحكيمة
للتكدُّس في الماء.
أنت الصَّوت، الشَّفافية التي تخترق،
التي تلد؛
النَّغمة الحيَّة والصّافيّة
التي تهوي،
بصراحة اليقين
في مركز
الرّوح.
ظِلُّ الغُرفة
كلاهما يقترب من نفس الأشياء. يلمسانها
بنفس الطريقة.
يقومان بتكديسها بنفس الطَّريقة.
يغادران ويتجاهلان نفس الأشياء.
عندما يواجهان بعضهما البعض،
يعرفان أنَّ أحدهما حدُّ الآخر.
إنهما الخالق والمخلوق.
إنهما الصورة،
نموذج،
الواحد من الآخر.
الاثنان يتقاسمان ظل الغرفة.
هناك لا يحصُلان إلا على القليل: ما هو صالح للاستخدام
وما يسمح الآخر برؤيته. كلاهما يهربان
ويختبآن.
حول الحب
مُضاء في غيل الزمن، الحبُّ
مادَّة مبهجة. يَفتح
بخطم جرذ الأرض، ممرّات وممرّات
معقَّدة. إنه طريق عودة
الموتى، المكان المُشرق الذي يعتادون منه
أن يتوهَّجوا. مثل ياقوت تحت الرمال
يصنعون شاطئهم، أمواجهم الحميمة، أزهار
الصَّوَّان، بيضاء غارقة
تسكب زبدها. هذا ما يهمسون في آذاننا: من ريح
سكينة الماء والشمس
التي تلمس، بأصابع ناريَّة ورقيقة
النَّضارة الحيوية. هذا ما يقولونه لنا
بصراحته الحلزونية. بهذه الطريقة يلتفون بها
على ضوئه، الذي هو حجر، وهو أصل الماء،
هو بحر
من أوراق الشَّجر العميقة
منيعة، فقط بهذه الطريقة، في الليل،
يمكننا الإضاءة والرُّؤية.
دبور على الماء
سطح الماء متمطِّط
من أجل دبور،
إنه مسار متعدِّد يتدفَّق دومًا
مثل لمسة الزَّمن
على العمق السّاكن
من مساحة قصيرة.
قصير هو الوقت
الذي يطفو فيه؛ قصيرة
المسافة التي يدور بها
من خلال المتاهات المتقلِّبة،
دوامات مُلتبِسة، نيران،
وشفافية
معقَّدة.
لقد عاد السّاعة
يومئُ لك برأسه
من ضوء الضَّباب هذا. يبتسم.
نعم، لقد عاد الساعة.
تنظرُ إلى إيماءاتِه، وبُعدِه،
لكنَّك لا تستمع إليه. تراب
الضباب هو الرَّمل.
غبار وهمي هو البحر.
من بعيد، أمام ذلك التألق
الذي يقطعه ينظر إليك،
يومِئُ لك. نعم، لقد عاد السّاعة.
لقد عاد السّاعة.
تألُّقه جِدِّيٌ وهادِئ
أعيش بجوار الرَّجل الذي أحبُّه؛
في مكان مُتغيِّر
في حوز تملؤُه الرياّح السَّبعة. على شاطئ البحر.
وشغفه يفوق الأمواج سُمكا.
وحنانه يجعل الأيّام صافيَّة ومحبوبة. شفتاه
طعام الآلهة؛ تألٌّقه جِدِّيٌّ
وهادِئ.
حجَرٌ في ماء الحكمة
حجر في ماء الحكمة
يهوي بخطوط الطّول والعرض التي عليها
نستند
بين دوائر مثالية
في الأسفل،
خيط الحكمة معلَّق في الظِّل
بين هذه النقطة
وتلك
وإذا تأرجح
أحدُنا
على معيَّنات أسطحها،
سترى المساحة تتضاعف
تحت أقواس الحكمة القصيرة، سترى حركاتها
تقلَّصت وعلى قدم المساواة
ثم بعدها تنخفِض
وتجلس
وتُرى تتأرجح.
من خلال الرُّطوبة المُشفَّرة
أسمعُ جسدك بلهفة عطش وهدوء
من يُشبِع (مَنْ
يظهر،
من ينتشر مُشبعًا،
طريقا
من الحيوانات المنوية) في الرُّطوبة
المشفَّرة (وحيٌ سميك وناعم؛ معبد)
في الطمي، خزّانات ماء فاترة، دلتا،
من أصله؛ أنا أشرب
(جذورك المفتوحة والنّافذة؛ على شواطئك
الشّاذة– وحلٌ فائِر– مستنقعات)
خُطط مُطَحلَبَة، عصارتك الكثيفة
(سيلٌ من النباتات المُتسلِّقة المخمورة) أشتَمُّ
في حوافك العميقة، مُتوقَّعة، الجمر،
في غاباتك اللَّزِجة،
المنحدرات. أسمع (سائلك المنوي الملموس) المعبود، يرقات؛
(قُبَّة خِصبة) ألمسُ
مستنقعاتك الحيَّة، شرائحك: آثار كير حدَّادٍ
مغلَّفة: العلامات
(أفتح
فخذيك المدهونة، المتعرِّقة؛ المسقيَّة بالنور) أسمع
في طميك المُرّ، على شاطئك: الملامس، البشائر
-مختصرات مغمورة-. في أُذَيَّنَيْك:
الآثار الزجاجية، سكائب (أتربة خصبة)،
البؤر.
مِن هذا الضَّوء
من هذا الضَّوء الذي يقع، بلهبٍ
رهيف،
الخلود. من هذه الحديقة المُنتبهة،
من هذا الظِّل.
الوقت يفتح عتبتَه،
ويتمُّ مغنطة
الأشياء.
يتوَغَّلون فيه،
هو يحملهم ويقدِّمهم هكذا:
واضحون، مستديرون،
كُرماء.
لوحات جدارية تزخرُ بحجمها البهيج،
بروعة احتفاليَّتها
بعمقها النَّجمي.
صلبة ومتميِّزة
تتحالف مع مساحتها
ولحظتها، بالضَّبط مع حديقتها
حتى يتمُّ الشُّعور بها. مثل أحجار كريمة
في حديقة. كفترات خُطَّت
على معبد.
باب، كرسي،
البحر.
البياض العميق
خارج الزَّمن
للجدار. الخطوط القصيرة
التي تُمركزُها.
يترك التَّمر الهندي بريقا
في الليل الكثيف
يُطلق الإبريق ضجيج
شمس الماء.
ودفءٌ راسخٌ في يديه؛ يتركُ ليلا كثيفًا،
ليلًا واسعًا وفائضًا على التيّار العميق،
يترك فتوره
العزيز.
الهوامش
* كورال براتشو (من مواليد 22 مايو 1951) كاتبة وشاعرة ومترجمة مكسيكية.