هناك العديد من الحلقات المفقودة في سلسلة الحياة الثقافية والادبية في سلم تطورها في أقطار الوطن العربي الكبير. وبغية القاء الضوء والتحقيق في أسفار الادب العربي، فان بعض الدراسات الاكاديمية قد سلطت ضوءها لانارة ما هو مخبوء من سيرة ذلكم الادب الثر الذي تزخر به منطقتنا العربية.
وبلد ذو عراقة وحضارة موغلة في سفر الحضارة العربية مثل عمان، فحري بالباحثين ان يشمروا عن ساعد الجد للكشف عن لحك الكنوز التي دفنت في أرض السند باد والبخور..
وعمان البلد صاحب الحضارة الوارفة الظلال، قد عرف عبر ادوار عصوره المتعاقبة الكثير من الحضارات الانسانية، الامر الذي أثر في تشكيل حياته في كل الجوانب، لان بلدا مثل عمان يصكك من التراث العلمي العميق الجذور، جدير بالدراسة والبحث والتقصي في بعث ذلكم التراث المنسي، لان ما وصلنا منه قليل او قل غيض من فيض..
وبغية الكشف عن الحياة الأدبية في عمان، فقد تقدمت رسالة طالب الماجستير: زايد بن سليمان بن عبدالله الجهضمي والموسومة بـ: (الحياة الأدبية في عمان حتى عصر الامامة 134هـ) لتبرز المرحلة الأولى والاساس للحياة الادبية في سلطنة عمان..بدءا من أقدم ما وصل الينا من أدبها وحتى انتهاء الامامة الأولى في عمان للسنة الرابعة والثلاثين بعد المائة للهجرة، أي بعد قيام الدولة العباسية في العراق بسنتين فقط، لأنها سنة انتهاء الامامة الأولى في عمان، وكذلك لكون الحياة الادبية بعد هذا التاريخ انتقلت الى مرحلة مستجدة ذات خصائص مميزة.
نجد أن الباحث قد اختار هذه الفترة الزمنية لتكون ظرفا لدراسته لاسباب حددها بأربعة هي:
* إن ما وصل من الأدب العماني في هذه الفترة موزع بين المصادر والمظان التاريخية، ولكن رغم تشتته وندرته فانه لم يحفظ ولم يدرس ويحلل.
* إن معظم الدراسات الادبية التي تناولت أدب عمان كانت قد عرجت على العصور والشخصيات المتأخرة زمنيا، لهذا حاول الباحث التأصيل للأدب العماني ما استطاع اليه سبيلا، ذلك بدراسته المسحية في بداياته واصوله.
* إن الجزء الاعظم من الزمن الفعلي لدراسة الباحث هو القسم الاخير الذي يشكل مرحلة تقلب سياسي في دولة الخلافة، اذ اتصلت فيه الثقافة الاسلامية بغيرها من الثقافات، وكانت هذه المرحلة الزمنية تعد من المراحل الذهبية عند العمانيين، اضافة لكونها اكثر مشاركة فاعلة في حركة الدولة الاسلامية.
* إن بعض الدراسات التي مست بعض ما يتعلق بعمان تاريخا وأدبا لم يخل _ في رأي الباحث الجهضمي _ من مغالطات، لذا حاول التعقيب عليها بقدر ما يسعف الحال ويرتضيه مقام الدراسة.
أما منهج الباحث في دراسته، فقد اعتمد مثلما أشار الى ذلك المنهج المتبع الآن في دراسة الحياة الادبية، مثل كتاب د. يوسف خليف : "حياة الشعر في الكوفة ». وكتاب "الحياة الادبية في البصرة » لاحمد كمال زكي، علاوة على انه اخذ بعين الاعتبار مسألة التردد الى عمان في حياة الشخصية، ومتى هاجر، اذا كان قد هاجر؟ هذه المسألة عند الباحث ذات اهمية لانها تشكل معالم كل شخصية، لان كل واحدة ما هي الا مجموعة من المواقف. والمواقف بحد ذاتها تعكس الفكر، والاخير إنما يتشكل بعدة عوامل منها المكاني، ومنها المعرفي الذي يشمل الدين والعادات والاعراف، ودراسة الشخصية تتمثل بدراسة المواقف الحياتية لها.
عمان.
تكونت رسالة «الحياة الادبية في عمان حتى عصر الامامة 134هـ»، للطالب زايد بن سليمان بن عبدالله الجهضمي، والتي نوقشت مؤخرا(1)، من تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة. حوى تمهيد الرسالة مباحث ثلاثة، اوضح الباحث في الاول موقع عمان الجغرافي قديما، واستنتج بأن حدودها أنذاك اوسع مما هي عليه اليوم. اذ كان الحد الفاصل بينها وبين البحرين هو رمال بينونة التي تقع في وقتنا هذا بين امارة ابوظبي ودولة قطر. اما الحد الفاصل بينها وبين اليمن، وتلك الرمال السيالة التي تعرف بـ(الاحقاف )، فتقع بين حضر موت والشحر.
قبائل أهل عمان، تحدث عنها الباحث زايد في المبحث الثاني، أولئك الذين كان معظمهم من الازد، كما نص البلاذروي وابوا لفداء على ذلك. ونجد أنه قد اختلف في تاريخ هجرتهم اليها من أقوال اتسع مداها بين الألف قبل الميلاد الى النصف الاول من القرن السادس الميلادي، ويذكر أن مالك بن فهم هو اول من وصل الى عمان من الازد.. وعلى هذا فليس هو أول العرب الذين وصلوا الى عمان. ثم اخذت القبائل تفد اليها مثل : قبيلة مهرة، وطيء، وبني كندة، وعبد القيس، وغيرهم الكثير.
ثم عرج الباحث في المبحث الثالث من التمهيد لبيان اسلام أهل عمان، وان مازن بن غضوبة الطائي، اول من أسلم من أهل عمان، وهو السبب في اسلام الكثير من أهل عمان…
الفصل الأول : حياة عمان السياسية
أشار في الفصل الاول لحياة عمان السياسية، وذلك بإيضاح الاحوال السياسية التي تعاقبت على عمان بدءا من وصول مالك بن فهم اليها، ثم انتقال الملك الى اسرة مهولة بن شمس حتى بزوغ فجر الاسلام الحنيف.
فقد كانت عمان متشكلة سياسيا في الجاهلية بذلك الحكم الذي أقره الاسلام مع إحداث بعض التغييرات التي يتطلبها الدين الاسلامي الجديد. ونجد ان عمان قد سادها نوع من الاستقرار السياسي طوال العهد النبوي الشريف، وعصر دولة الخلافة الراشدة، رغم اتصالها الوثيق بمركز الخلافة، مع وجود التمتع بنوع من الاستقلال الذاتي في ادارة شؤونها، فشارك _ كما يوضح الباحث في هذا الفصل _ العمانيون في حروب الردة بقيادة عبد بن الجلندى، وشاركوا المسلمين في فتوح بلاد فارس أيام خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بقيادات عمانية من قبائل الازد فيها، فافتتحوا في منطلق الفتح الاسلامي جزيرة " ابن كاوان والقسم » وفتحوا " توج » و" أصطخر» و"رامهرمز» و" تستر» من بلاد فارس شرق العراق، واستمرت مشاركة اهل عمان في الفتوحات الاسلامية الى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
لكن بعد ان تولى شؤون المسلمين الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان، نجد ان عمان قد انفصلت في ادارة شؤونها، وبقي أمرها بيد رجل من ابناء حكامها ويدعى: (عباد بن عبد بن الجلندى)، في حين اتجه قسم من العمانيين صوب العراق واستوطنوا مدينتي البصرة والكوفة وساهموا منهما في فتوحات المسلمين.
وأوضح الباحث لحياة عمان السياسية انه لما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي العراق شغل في بداية حكمه بثورات الازا رقة، فولى أمر محا ربتهم الى المهلب بن أبي صفرة العتكي العماني، وما ان تخلص الحجاج منهم حتى بدأ يوجه انظاره نحو عمان، فبعث صوبها عدة جيوش أفنى أهل عمان عامتها، لكنه أرسل اليهم جيشا بريا وبحريا فحاول اخضاعها بالقوة، وجعل عليها الخباء بن سيرة امجا شعي الذي نجد أن الخليفة الوليد بن عبدا لملك قد اقصده بعد وفاة الحجاج، فاستغل العمانيون هنا فرصة الاستقرار السياسي الذي عم بلادهم في عهد الخليفة سليمان بن عبدا لملك، وفي عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز، فقاموا بإعداد أنفسهم للامامة الشرعية لتكون بديلا عن خلافة الأمويين، ولهذا نجدهم قد حققوها في السنة الرابعة والثلاثين بعد المائة للهجرة، وعهدوا بها للامام الجلندى بن مسعود الذي نظم شؤون الدولة بصورة تامة.
الفصل الثاني: حياة عمان العقلية
حوى الفصل الثاني مبحثين عقدهما الباحث لبيان الجوانب المضيئة من حياة عمان العقلية، حيث تناول في الاول بيان حياة عمان الثقافية، فنرى ان أهل عمان كانوا على اتصال بالامم الاخري عن طريق التجارة التي كانت تصل الصين وافريقيا في عصر الجاهلية، ونجدهم قد تعلموا لغة الفرس والهنود الى جانب اتقانهم للغة العربية.
وأوضح الباحث زايد الجهضمي حرص العمانيين بعد دخولهم الاسلام على استغلال طاقاتهم فبرز منهم القضاة نحو القاضي: كعب بن سور في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان منهم القادة والخطباء والعلماء مثل : صحار العبدي، وجابر بن زيد وغيرهما في مدينة المبصرة، وهناك بنو صوحان، وال رقية بن مصقلة في الكوخة، وكان للامام جابر بن زيد حلقة علمية في جامع البصرة تقام له ليفتي فيها قبل الامام الحسن البصري.
وكون العمانيون مدرسة علمية برئاسة الامام جابر، خلفه تلميذه ابو عبيدة التميمي من بعده، ثم الربيع بن حبيب الفراهيدي. اضافة لذلك فانهم اشتغلوا بالتأليف فكان للامام جابر بن زيد ديوان فقهي يقال انه حمل بعير!، وكان لصحار العبدي كما اشار صاحب الفهرست ابن النديم تآليف في الانساب.
ثم خصص المبحث الثاني لحياة عمان الدينية، فعرض الباحث لوجود الديانة الوثنية فيها في الجاهلية، الى جانب النصرانية. ولم يعثر على وجود للديانة اليهودية في عمان، حسب زعم بعض الباحثين.
اما الاسلام فقد اعتنقه العمانيون، وسافر جيفر بن الجلندى الى بلاد فارس يدعوهم للدخول في الاسلام، وعندما امتنعوا، قاتلهم العمانيون واخرجوهم من بلادهم. وتطرق الباحث في هذا المبحث الى ان العمانيين لم يرتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بين اعتناة، العمانيين للمذهب الاباضي. و منافحتهم عن فكره.
الفصل الثالث : في حياة عمان الادبية :
جاء هذا الفصل مشتملا على مباحث ثلاثة، وهو صلب رسالة الطالب زايد الجهضمي، بدأه بالمبحث الاول : مدخل الى الحياة الادبية في عمان، اشار فيه الى سبب قلة ما وصل من الادب العماني، ويعزوه الى أن عمان لم تنجب رواة يحملون أدبها. وان العصر الاسلامي هو عصر التدوين، اذ تبنت عمان المذهب الاباضي الذي كان مخالفا لمنهج الخلافة أيام دولة بني أمية، ومن هنا نرى ان للسياسة دورا في تشويه صورة الحياة الادبية العمانية، ومبادئها، ولهذا يجد الباحثون اهمالا في فترة تاريخية معينة.
ثم أن الاباضيين قد ركزوا جل اهتمامهم على ما يعزز مبادئهم من أجل اعداد جيل دعوى يضطلع بمبادىء الاسلام. ولكل هذه الاسباب مجتمعة فان الادب لم يحظ بذلك الاهتمام.. وتوقف زايد بن سليمان الجهضمي هنا وقفة متأنية فعرفنا بأدباء عمان، مثل :
كعب بن معدان الاشقري، وثابت بن قطنة العتكي، وسوار بن المضرب السعدي، وهم من الشعراء. ومن أبرز اعلام النثر في عمان : آل رقية بن عبدالقيس ومنهم مصقلة بن رقية العبدي، ولهم خطبة تعد من خطب العرب تدعى بـ"العجوز». واشار الجاحظ بقوله : «ومتى تكلموا فلابد لهم منها او من بعضها». ومن خطباء أهل عمان المعروفين : بني صوحان من عبد القيس، واشتهر منهم صعصعة وزيد وسرحان ابناء صوحان. وأثنى عليهم الجاحظ ايضا قائلا: «بنو صوحان كلهم خطيب الا ان صعصعة كان أعلاهم في الخطابة ». ومن الخطباء الاخر: مرة بن التليد اليحمدي، وصحار العبدي، ذكر عنه ابن عبدالبر، وابن الاثير بأنه كان بليغا مفوها مطبوع البلاغة، وكذلك ابو حمزة الشاري الذي خطب في مكة المكرمة، والمدينة المنورة أيام خلافة مروان بن محمد الاموي خطبا تناقلتها كتب التاريخ، ومن أصحاب الرسائل النثرية امام المذهب الاباض جابر بن زيد اليحمدي، ومنهم شبيب بن عطية العماني.
اما نصيب الشعر فكان في المبحث الثاني، اذ عكف الباحث على إبراز أهم معالم شعر الشاعر دون أن يخوض في التفاصيل، الا وهو الشاعر كعب الأشقري، ولم يدرس الشاعر مالك بن فهم لأنه وجد شعره منحولا فاهمله ولم يدرسه قط.
ثم جاء دور النثر في ثالث مباحث الفصل الاخير من رسالة الطالب زايد بن سليمان الجهضمي، حيث تناول فيه الرسائل النثرية للامام جابر بن زيد، وخطب أبي حمزة الشاري، ورسالة شبيب العماني شكلا ومضمونا.
فقد ضمت الرسالة :« الحياة الادبية في عمان حتى عصر الامامة 134هـ» ملاحق ذات فائدة توثيقية هامة لدراسة تلكم الجوانب الأدبية في حياة عمان خلال الفترة الزمنية التي حصر فيها الباحث
دراسته وعقدها عليها.
الهوامش.
1- الحياة الأدبية في عمان حتى عصر الامامة 134 هـ. رسالة ماجستير للطالب : زايد بن سليمان بن عبدالله الجهضمي، نوقشت في قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة اليرمرك، اربد – الاردن، يوم الاحد10/11/1996 باشراف د. موسى ربابعة، ومناقشة ا.د عفيف عبدالرحمن، ود. يوسف أبوالعدوس.
محمد رجب السامرائي (كاتب من العراق )